كيف تُعيد الأبحاث التطبيقية رسم توجهات قطاع التمويل
25 Sep, 202515 يونيو، 2025
لم تعد الأبحاث التطبيقية مجرد خيار، بل ضرورة ماسّة ولابدّ منها في قطاع التمويل، الذي يُعاد تشكيله تحت وقع التقلبات، اختراقات الذكاء الاصطناعي، والمخاطر سريعة التطور. وعليه، تخطت توجهات المستثمرين، المؤسسات، وصانعو السياسات حدود النظريات المجردة، مطالبين برؤىً متجذرة وقائمة على البيانات الآنية (ضمن الزمن الحقيقي)، التوجهات السلوكية، والأدوات التقنية.
من جانبه، يبرز برنامج ماجستير العلوم في التمويل من جامعة زايد، الذي ينفذ ممارسات الأبحاث التطبيقية، في قلب مسيرة التحوّل هذه، وبقوة، وهو محور نقاشنا مع د. إفستاثيوس بوليزوس، العميد المشارك والأستاذ المشارك في التمويل، حيث سنتطرق من خلال هذه المدونة إلى كيفية قيام الأبحاث التطبيقية - وبرنامج الماجستير - بإعادة صياغة معنى الاستعداد للمستقبل على مستوى قطاع التمويل سريع التغير في دولة الإمارات العربية المتحدة.
هذه المقالة هي الثانية ضمن سلسلة مقالات المدونة التي تستكشف التوجهات الصاعدة التي تعمل على رسم ملامح قطاع التمويل في دولة الإمارات.
ما هي الأهمية الخاصة التي تقف وراء الأبحاث التطبيقية اليوم؟
يستهل د. بوليزوس حديثه بالإشارة إلى "تميّز بيئة قطاع التمويل في وقتنا اليوم باعتبارها في غاية الديناميكية، بما لا يتيح الاعتماد على النماذج الثابتة، كوننا نتعامل مع أسواق لا يمكن توقع توجهاتها، تزخر بالتحولات المفاجئة، وترابطاتها معقدة جداً. لكن، السبيل الوحيد لمواكبة هذه الجملة من التطورات يتمثل في الأبحاث التطبيقية، فهي الوحيدة القادرة على تجسيد بيانات، سلوكيات، وظروف العالم الحقيقي". ويشدد د. بوليزوس على أن الخطوة الأولى في مسار البحث التطبيقي تبدأ بطرح الأسئلة الملحة والواقعية. ما أثر التشديد في لوائح التعامل بالعملات المشفرة على استقرار السوق؟ وكيف ينبغي للمستثمرين الاستجابة لموجة ارتفاع أسعار الفائدة؟ على غرار هذه الأسئلة يُكافح المحللون، المستثمرون، والمصارف للإجابة عليها، وهي ذاتها التي يسعى البحث التطبيقي للإجابة عليها. وقد أضحت الحاجة لوجود رؤى آنية (ضمن الزمن الحقيقي)، وموجهة بالبيانات، أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، بدءاً من الأوبئة والتوترات الجيوسياسية وصولاً إلى الأزمات المالية.
الأبحاث التطبيقية والنظرية: ما هو الخط الفاصل والفارق بينهما؟
يتمثل الهدف في الأبحاث التقليدية بالتحقق من صحة النماذج تحت سقف البيئات المثالية. أما في الأبحاث التطبيقية، ينصب التركيز على حل المشاكل العملية ضمن بيئات فوضوية، وغير متوقعة. النقطة التي تطرق إليها د. بوليزوس حين شدّد على أننا "لا نسعى لبناء نموذج مثالي، بل لبناء النموذج الأكثر فائدة". وبفضل محاكاة سلوكيات الأفراد بواسطة البرامج المتقدمة مثل النمذجة القائمة على الوكلاء، أو عمليات تحليل المشاعر، التي تتيح إمكانية تتبع ردود أفعال سوق العملات المشفرة، تتجاوز الأبحاث التي تقدمها جامعة زايد حدود النظريات الأكاديمية، لتطرح رؤى ذات أثر مباشر على السوق.
دمج البحث التطبيقي ضمن المقررات الدراسية
تتبنى جامعة زايد منهجية تعليمية رائدة، تقوم على إدراج البحث التطبيقي في كل قسم من أقسام برنامج ماجستير العلوم في التمويل، ليطرح أعضاء هيئة التدريس مشاريع متطورة من على منابر الفصول الدراسية. ويقدم لنا د. بوليزوس مجموعة من الأمثلة عن هذه المشاريع من عمله الخاص، بما فيها:
- نظام إنذار مبكر للأزمات المالية، يستند على تقنية التعلّم الآلي.
- دراسات حول شبكة اتصالات المصرف المركزي، وربط لغة السياسة بسلوك المستثمرين.
- بحث حول التباين على مستوى الشركة، وآثاره المنعكسة على تخصيص الأصول.
وهي ذات الأدوات والبرامج التي يستخدمها صانعو السياسات، الجهات التنظيمية، ومدراء المحافظ الاستثمارية.
قوة التقنيات الحديثة: التعلم الآلي والاقتصاد القياسي
يسترسل د. بوليزوس في توضيح هذه الفكرة بالتأكيد على أن "التعلّم الآلي لا يحل محل الفكر الاقتصادي، لكنه يوسع نطاقه". لذا، يكتسب الطلاب في جامعة زايد الخبرات من الاحتكاك بشكل مباشر مع الاقتصاد القياسي الكلاسيكي، والتقنيات الصاعدة. كما أنهم يتعلمون كيفية التعامل مع التقلبات، البيانات متعددة الأبعاد، والتحليل الفوري، بدءاً من نماذج الغابات العشوائية ذاتية الانحدار وصولاً إلى معالجة اللغة الطبيعية في أسواق العملات المشفرة. من جهةٍ أخرى، يتوسع دور الذكاء الاصطناعي في تقديم خدمات التمويل بوتيرة متسارعة، ما يطرح سلسلة من القدرات الجديدة والتحديات التنظيمية، بدءاً من كشف عمليات الاحتيال وصولاً إلى تقييم الائتمان. وعليه، فإن هذا المزيج من الأسس النظرية والتفوق التقني يؤهل الخريجين شغل مناصب قيادية تتطلب الفكر الاستراتيجي، والدقة الكميّة.
التعاون على مستوى القطاع: تطبيقات خارج الصندوق
تدّعي الكثير من برامج الماجستير توافقها التام مع متطلبات القطاع، إلا أن القليل منها فقط يُحقق هذا الادعاء. لذا، تتبنى جامعة زايد منهجية مزدوجة تقوم على تطوير وطرح أبحاث تُعالج مشاكل العالم الحقيقي، وبناء مناهج دراسية تلبي احتياجات السوق. كما يتم تصميم مشاريع أعضاء هيئة التدريس بما يراعي متطلبات القطاع، بدءاً من تحليل أسعار العملات المشفرة وأطر الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، وصولاً إلى تنظيم الأصول الرقمية وسلوك الاستثمار المُوجّه بالسياسات. من جانبه، كما يدعو برنامج ماجستير العلوم في التمويل على الدوام، وبفعالية عالية، المؤسسات المالية للمشاركة بمقرراته داخل وخارج حدود دولة الإمارات. واستناداً لما جاء على لسان د. بوليزوس، فإن الهدف "لا يقتصر على دراسة العالم، بل على إعادة تشكيله".
إعداد الطلاب لمستقبل موجه بالبيانات
يكتسب طلاب ماجستير العلوم في التمويل، من جامعة زايد، خبرات تتخطى حدود المعرفة التقنية، فهم يعملون على تطوير ما يُطلق عليه د. بوليزوس "الفكر البحثي"، ويوضح بأن الطلاب "يتعلمون كيفية هيكلة المشكلة، الحصول على البيانات الصحيحة، تطبيق الأساليب المناسبة، وإيصال النتائج بوضوح". وبفضل إمكانية الوصول إلى الأدوات المتقدمة، مثل محطات بلومبرغ وبيئات البرمجة، يتخرج الطلاب وهم يتسلحون بالمهارات العملية والشخصية، بما فيها الفكر التحليلي، توضيح السرديات المالية، تفسير البيانات، وحل المعضلات. وهو المزيج الذي يبحث عنه أصحاب العمل لشغل المناصب الحيوية في الاستراتيجية، إدارة المخاطر، الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، والتحليل المالي.
التطلع نحو المستقبل: الخطوة التالية في مسيرة أبحاث التمويل؟
يسلط د. بوليزوس الضوء على العديد من المجالات الصاعدة التي ينبغي على الخبراء والمختصين الماليين مراقبتها، ومنها:
- الذكاء الاصطناعي في التمويل، مع التشديد على قابلية التفسير والنمذجة الأخلاقية.
- التمويل المستدام والحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، مع الحاجة لوجود مقاييس أكثر اتساقاً وفعالية.
- الأصول الرقمية والتمويل اللامركزي، حيث تتطلب التقلبات ونقص التنظيم المزيد من الأبحاث الجديدة.
- التمويل السلوكي في ظل عدم اليقين، لاستكشاف كيفية تأثير العوامل العاطفية والاجتماعية على سلوك السوق.
ورغم سعي الجهات التنظيمية جاهدةً لمواكبة تقلبات سوق العملات المشفرة، لا تزال المؤسسات الدولية تتدخل في هذا السياق من خلال أطر عمل سياسات الأصول المشفرة، وذلك بهدف المساهمة في توجيه مسار تطوير السوق، وحماية المستثمرين. ولا تعكس مثل هذه المواضيع الصاعدة مسار التوجهات العالمية فحسب، لكنها تتماشى أيضاً مع الأولويات الاستراتيجية لدولة الإمارات في إطار "الرؤية الاقتصادية 2030 لإمارة أبوظبي"، التي تضع مفهوم الابتكار المالي في صلب عقيدة التنمية الوطنية.
الأفكار الختامية: الدعوة إلى الإبداع المشترك
تتنامى الحاجة لضرورة وجود شراكات تجمع ما بين القطاعين الأكاديمي والصناعي، وذلك في ظل تسارع وتيرة تبني دولة الإمارات لمفهوم الاقتصاد المتنوع والقائم على المعرفة، تحت مظلة رؤية "نحن الإمارات 2031". ويختم د. بوليزوس حديثه بالتنويه لتوفر "الإمكانات هائلة، إلا أننا كأكاديميين بحاجة إلى تحويل أبحاثنا إلى أبحاث مرئية على أرض الواقع، سهلة المنال، وقابلة للتطبيق. هذه هي مسؤوليتنا". وبفضل التزامه الراسخ بالبحث التطبيقي، خبرة أعضاء هيئة التدريس لديه، والتعلم العملي، يقف برنامج ماجستير العلوم في التمويل من جامعة زايد في طليعة من يحمل هذه الرسالة على عاتقه.
هل ترغب في تحقيق الريادة وإدارة دفة مستقبل قطاع التمويل؟ تعرّف على برنامج ماجستير العلوم في التمويل من جامعة زايد، واكتشف كيفية تحويل البيانات إلى قرارات مدروسة ومستنيرة. يُرجى التواصل مع كلية إدارة الأعمال على
رقم الهاتف:
(+971)2-599-3605
:البريد الإلكتروني