16 أغسطس 2023
شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال السنوات الأخيرة وعياً متنامياً فيما يتعلق بمسائل الصحة النفسية للبالغين. فقد كشفت نتائج دراسة أجريت في عام 2020 أن 57 بالمائة من البالغين في دولة الإمارات يعانون من اضطراب واحد على الأقل في الصحة النفسية. وإدراكاً منها للحاجة إلى تعزيز الدعم المقدّم لقطاع الصحة النفسية من خلال تمكين نخبة المهنيين المحترفين في هذا المجال، أقدمت "جامعة زايد" على خطوة رائدة بطرحها أول شهادة ماجستير العلوم في علم النفس الإرشادي على مستوى دولة الإمارات. ولم تأتِ هذه المبادرة استجابة للطلب المتنامي على خدمات واستشارات الصحة النفسية فحسب، بل تأكيداً منها على مدى التزام الدولة بالعمل على ضمان رفاهية مواطنيها والمقيمين على أراضيها.
تمثّل الصحة النفسية في عالمنا اليوم مرتكزاً جوهرياً، وذلك في ظل ضغوطات الحياة العصرية التي تعصف بالمجتمعات حول العالم، بدءاً من ضغوطات العمل وصولاً للضغوطات الاجتماعية. كما أكدّت التحديات التي تواجه البالغين، سواءً على مستوى العلاقات الشخصية أو بيئات العمل أو الأدوار المجتمعية، على مدى الحاجة لوجود رعاية متخصصة في هذا المجال. فعلى الصعيد الدولي، تؤثر الاضطرابات النفسية على حوالي 450 مليون شخص، وسيواجه واحد من كل أربعة أشخاص مشكلة ترتبط بالصحة النفسية في إحدى مراحل حياته ("كاربونيل وآخرون" 2020، "منظمة الصحة العالمية" 2017). كما تم تشخيص معاناة أكثر من 26 مليون شخص حول العالم من حالات نفسية خطيرة.
أشارت تقارير "منظمة الصحة العالمية" إلى أن معدل الوفيات الناجمة عن الانتحار بلغت 6.4 لكل 100 ألف نسمة بدولة الإمارات في عام 2019، ما يشير إلى خطورة الوضع الحالي. وفي ظل وجود 1.65 طبيب نفسي فقط لكل 100.000 نسمة حسب احصائيات عام 2017، تبرز الحاجة الماسة للخبراء والأخصائيين في هذا المجال. لكن بفضل الاستراتيجيات الحكيمة والاستباقية التي تتبناها حكومة دولة الإمارات، فقد قامت بإطلاق العديد من المبادرات التي تستهدف العناية بالصحة النفسية للبالغين على وجه الخصوص، بدءاً من تشييد مرافق الصحة النفسية الحديثة، وصولاً إلى إطلاق الحملات التوعوية التي رسخت مكانة الدولة عالمياً، سعياً منها لتوفير كافة سبل الدعم والرعاية لمواطنيها والمقيمين على أراضيها من البالغين. ولا تسلط هذه المبادرات الضوء على مدى التزام الحكومة فحسب، لكنها أيضاً اتبعت نهجاً جديداً على مستوى هذا المجال تحتذي به باقي الدول.
حملت جائحة "كوفيد-19" العالمية في جعبتها عدداً لا يُحصى من التحديات، التي كانت من أهم ضحاياها الصحة النفسية للبالغين. حيث تشير نتائج الأبحاث إلى أن دولة الإمارات، مثل بقية دول العالم، شهدت طفرة في حالات القلق والاكتئاب والإدمان، إلى جانب غيرها من اضطرابات الصحة النفسية التي أصابت البالغين. فقد أدت إجراءات العزل، والشّك، والخوف العام من الوباء إلى تفاقم المخاوف. وفي إطار تصديها للوباء وتبعاته، أظهرت حكومة دولة الإمارات أعلى درجات السرعة والمرونة، فقد تمّ تشكيل فرق متخصصة للاستجابة السريعة، لتعمل على معالجة أزمات الصحة النفسية بين البالغين. كما تمّ إطلاق خدمات الاستشارة عن بعد، وذلك لضمان الحصول على المساعدة المتخصصة، فضلاً عن إطلاق حملات وطنية للتوعية والتعريف بمسائل الصحة النفسية والتشجيع على طلب المساعدة دون تردد.
أدركت الدول مدى أهمية الصحة النفسية للبالغين على الصعيد العالمي، حيث أطلقت العديد منها، مثل كندا وأستراليا والمملكة المتحدة، برامج شاملة ومتكاملة للصحة النفسية، تركز على الكشف المبكر، والتدخل السريع، والدعم المستمر. ورغم أن دولة الإمارات خطت بالفعل خطوات جبارة في معالجة الصحة النفسية للبالغين، إلا أن باب التطور والتنمية دائماً مفتوح في هذا المجال. وبفضل الأبحاث وتعاونها المستمر مع الدول الأخرى، أصبح بإمكان دولة الإمارات دمج أفضل الممارسات، والعلاجات المبتكرة، والأبحاث المتطورة، وذلك لضمان إبراز نفسها كدولة متطلعة للمستقبل في مجال الرعاية الصحية النفسية للبالغين ولتقديم الأفضل دائماً لمواطنيها.
رُغم الكثير من المبادرات التي أطلقتها الدولة في هذا الإطار، لا تزال تواجه العديد من التحديات في مجال الصحة النفسية للبالغين. "فالوضع الراهن للصحة النفسية على المستوى المحلي محاط بتحديات مختلفة، بما في ذلك نقص مقدمي الخدمات، والنظم المجزأة، والوصمة الاجتماعية". ومع ذلك، وبتضافر الجهود التي تبذلها الجهات الحكومية، ومنها جامعة زايد، والجمهور بشكل عام، لازال الأمل موجود، حيث "تتخذ حكومة دولة الإمارات العديد من التدابير الجديدة في سبيل معالجة مسائل الصحة النفسية والحد من الوصمة الاجتماعية المرتبطة بها. في هذا المنحنى، تضمنت استراتيجية نشر وتعزيز ثقافة الصحة النفسية في الدولة إقرار المبادئ التوجيهية "للسياسة الوطنية لتعزيز الصحة النفسية في دولة الإمارات العربية المتحدة". كما قامت الحكومة بطرح العديد من المبادرات التي شملت المواطنين والمقيمين، ومنحتهم إمكانية الوصول إلى خدمات الصحة النفسية، والدعم المطلوب حسب الحاجة".
يبرز دور علم النفس الإرشادي كمنارة أمل في سياق هذا السيناريو، وذلك من خلال تسليط الضوء على ضرورة فهم الاضطرابات النفسية، والوقاية منها والحدّ من تفاقمها، فهو يوفر الأدوات والاستراتيجيات الضرورية لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه البالغين. وبما أن دولة الإمارات تتميز بنسيج مجتمعي فريد من نوعه، يجمع ما بين العراقة والحداثة، يوفر علم النفس الإرشادي منهجيةً دقيقة ومطلوبة لمعالجة الصحة النفسية للبالغين بشكل فعّال.
يتطلب مجال علم النفس الإرشادي مسيرة متواصلة من التعلّم، فضلاً عن اكتساب الخبرات المتخصصة والمهارات المتعمقة. لذا، فإن تنمية المهارات للحصول على ماجستير العلوم في علم النفس الإرشادي من شأنه تزويد المختصين بالمعارف الواسعة وتسليحهم بالمصداقية والخبرات الأساسية التي تمهد الطريق أمامهم لشغل مناصب عليا وإدارة العيادات الخاصة.
وفي هذا المنحنى، يعكس برنامج ماجستير العلوم في علم النفس الإرشادي بجامعة زايد مدى التزام الدولة بالصحة النفسية للبالغين. وباعتباره البرنامج الأول، بل والوحيد من نوعه في دولة الإمارات، فإنه يتضمن منهجاً صارماً يمزج ما بين المعارف النظرية والخبرات العملية. ولا يقتصر هدف هذا البرنامج على تزويد الطلبة بالمعارف والمهارات المتخصصة لمواجهة التحديات في مجال الصحة النفسية للبالغين فحسب، لكنه أيضاً يرسخ مبدأ المسؤولية والالتزام. كما يوفر أعضاء هيئة التدريس ذوي الخبرات الدولية مجموعة متنوعة من المهارات والعلوم في مجال علم النفس الإرشادي، سعياً منهم لإثراء خبرة الطلبة من خلال تعزيز فهمهم بأهمية الفروق الثقافية الدقيقة أثناء العلاج. كما تساهم خبراتهم الواسعة في تقديم منهاج أكثر تكاملاً وشموليةً على مستوى الممارسات الاستشارية.
في هذا الصدد، صمّم المنهاج بدقة عالية مع الأخذ بعين الاعتبار التحديات الفريدة التي تواجه البالغين المقيمين في دولة الإمارات، بدءاً من فهم الفروق الثقافية التي تؤثر على الصحة النفسية، وصولاً لاستخدام أحدث التقنيات العلاجية، ليوفر البرنامج منهاجاً تعليمياً متكاملاً. كما يركز المنهاج بشكل خاص على سيناريوهات العالم الواقعي، ما يضمن اطلاع واستعداد الطلبة بشكل جيد. كما يشجع الطلبة على المشاركة في سلسلة من التدريبات التطبيقية، وذلك لضمان استعدادهم الكامل للممارسات العملية، فضلاً عن مشاركتهم في تدريبات تتكون من مرحلتين، كل منها مدتها 300 ساعة، وذلك بهدف تنمية مهاراتهم وتعزيز قدراتهم على تقديم مختلف الطرق العلاجية وتلبية كافة الاحتياجات المطلوبة منهم. كما يشارك الطلبة في كتابة مشروع بحثي بشكل فردي مستقل، فضلاً عن تشجيعهم على نشر نتائج أبحاثهم.
في هذا الإطار، يتمكّن الخريجون من تقديم طلب للحصول على ترخيص لممارسة المهنة لدى دائرة تنمية المجتمع في أبوظبي أو هيئة تنمية المجتمع في دبي. ففي ظل تنامي الطلب على الخبراء والأخصائيين في مجال الصحة النفسية بدولة الإمارات، سيجد الخريجون فرصاً واعدة للعمل في المستشفيات والعيادات الخاصة والشركات، فضلاً عن انخراطهم في المجال البحثي. كما تضمن الدورة التدريبية المتخصصة إمكانية التعريف بهم ليس فقط على المستوى المحلي فحسب، بل على المستوى الدولي أيضاً.
يلعب علم النفس الإرشادي دوراً هاماً وحيوياً في تعزيز الصحة النفسية بدولة الإمارات، وذلك عن طريق تزويد الأفراد بمساحة آمنة وداعمة تمكّنهم من مواجهة تحدياتهم العاطفية والنفسية والسلوكية. كما تساهم في الحدّ من الوصمة الاجتماعية المرتبطة بمسائل الصحة النفسية، وتعزيز الوعي الذاتي، والذكاء العاطفي، ومهارات التواصل، وتقديم الطرق الفعّالة للتكيّف مع مختلف البيئات، مما يساعد في تحسين الأداء وتعزيز العلاقات وزيادة القدرة على التكيّف في مواجهة مختلف التغيرات. بشكل عام، يحسن علم النفس الإرشادي مستوى المهارات من خلال تنمية الشخصية واكتساب المهارات الحياتية والمهنية المتخصصة.
للاستفسار حول ماجستير العلوم في علم النفس الإرشادي في جامعة زايد، يرجى التواصل مع كلية العلوم الطبيعية والصحية عبر:
رقم الهاتف:
+971-2-599-3605
البريد الإلكتروني: